فصل: عِلّةُ الْعِشْقِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فصل الْإِخْلَاصُ سَبَبٌ لِدَفْعِ الْعِشْق:

وَعِشْقُ الصّوَرِ إنّمَا تُبْتَلَى بِهِ الْقُلُوبُ الْفَارِغَةُ مِنْ مَحَبّةِ اللّهِ تَعَالَى الْمُعْرِضَةُ عَنْهُ الْمُتَعَوّضَةُ بِغَيْرِهِ عَنْهُ فَإِذَا امْتَلَأَ الْقَلْبُ مِنْ مَحَبّةِ اللّهِ وَالشّوْقِ إلَى لِقَائِهِ دَفَعَ ذَلِكَ عَنْهُ مَرَضَ عِشْقِ الصّوَرِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقّ يُوسُفَ {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يُوسُفَ 24] فَدَلّ عَلَى أَنّ الْإِخْلَاصَ سَبَبٌ لِدَفْعِ الْعِشْقِ وَمَا يَتَرَتّبُ عَلَيْهِ مِنْ السّوءِ وَالْفَحْشَاءِ الّتِي هِيَ ثَمَرَتُهُ وَنَتِيجَتُهُ فَصَرْفُ الْمُسَبّبِ صَرْفٌ لِسَبَبِهِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السّلَفِ الْعِشْقُ حَرَكَةُ قَلْبٍ فَارِغٍ يَعْنِي فَارِغًا مِمّا سِوَى مَعْشُوقِهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} [الْقَصَصِ 11] أَيْ فَارِغًا مِنْ كُلّ شَيْءٍ إلّا مِنْ مُوسَى لِفَرْطِ مَحَبّتِهَا لَهُ وَتَعَلّقِ قَلْبِهَا بِهِ.

.عِلّةُ الْعِشْقِ:

وَالْعِشْقُ مُرَكّبٌ مِنْ أَمْرَيْنِ اسْتِحْسَانٍ لِلْمَعْشُوقِ وَطَمَعٍ فِي الْوُصُولِ إلَيْهِ فَمَتَى انْتَفَى أَحَدُهُمَا انْتَفَى الْعِشْقُ وَقَدْ أَعْيَتْ عِلّةُ الْعِشْقِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْعُقَلَاءِ وَتَكَلّمَ فِيهَا بَعْضُهُمْ بِكَلَامٍ يُرْغَبُ عَنْ ذِكْرِهِ إلَى الصّوَابِ. فَنَقُولُ قَدْ اسْتَقَرّتْ حِكْمَةُ اللّهِ- عَزّ وَجَلّ- فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ عَلَى وُقُوعِ التّنَاسُبِ وَالتّآلُفِ بَيْنَ الْأَشْبَاهِ وَانْجِذَابِ الشّيْءِ إلَى مُوَافِقِهِ وَمُجَانِسِهِ بِالطّبْعِ وَهُرُوبِهِ مِنْ مُخَالِفِهِ وَنُفْرَتِهِ عَنْهُ بِالطّبْعِ فَسِرّ التّمَازُجِ وَالِاتّصَالِ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيّ وَالسّفْلِيّ إنّمَا هُوَ التّنَاسُبُ وَالتّشَاكُلُ وَالتّوَافُقُ وَسِرّ التّبَايُنِ وَالِانْفِصَالِ إنّمَا هُوَ بِعَدَمِ التّشَاكُلِ وَالتّنَاسُبِ وَعَلَى ذَلِكَ قَامَ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ فَالْمِثْلُ إلَى مِثْلِهِ مَائِلٌ وَإِلَيْهِ صَائِرٌ وَالضّدّ عَنْ ضِدّهِ هَارِبٌ وَعَنْهُ نَافِرٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الْأَعْرَافِ 189] فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ عِلّةَ سُكُونِ الرّجُلِ إلَى امْرَأَتِهِ كَوْنَهَا مِنْ جِنْسِهِ وَجَوْهَرِهِ فَعِلّةُ السّكُونِ الْمَذْكُورِ- وَهُوَ الْحُبّ- كَوْنُهَا مِنْهُ فَدَلّ عَلَى أَنّ الْعِلّةَ لَيْسَتْ بِحُسْنِ الصّورَةِ وَلَا الْمُوَافَقَةِ فِي الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ وَلَا فِي الْخُلُقِ وَالْهَدْيِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ أَيْضًا مِنْ أَسْبَابِ السّكُونِ وَالْمَحَبّةِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصّحِيحِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَف وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ فِي سَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنّ امْرَأَةً بِمَكّةَ كَانَتْ تُضْحِكُ النّاسَ فَجَاءَتْ إلَى الْمَدِينَةِ فَنَزَلَتْ عَلَى امْرَأَةٍ تُضْحِكُ النّاسَ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنّدَةٌ الْحَدِيثَ. وَقَدْ اسْتَقَرّتْ شَرِيعَتُهُ سُبْحَانَهُ أَنّ حُكْمَ الشّيْءِ حُكْمُ مِثْلِهِ فَلَا تُفَرّقُ شَرِيعَتُهُ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ أَبَدًا وَلَا تَجْمَعُ بَيْنَ مُتَضَادّيْنِ وَمَنْ ظَنّ خِلَافَ ذَلِكَ فَإِمّا لِقِلّةِ عِلْمِهِ بِالشّرِيعَةِ وَإِمّا لِتَقْصِيرِهِ فِي مَعْرِفَةِ التّمَاثُلِ وَالِاخْتِلَافِ وَإِمّا لِنِسْبَتِهِ إلَى شَرِيعَتِهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَانًا بَلْ يَكُونُ مِنْ آرَاءِ الرّجَالِ فَبِحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ ظَهَرَ خَلْقُهُ وَشَرْعُهُ وَبِالْعَدْلِ وَالْمِيزَانِ قَامَ الْخَلْقُ وَالشّرْعُ وَهُوَ التّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَالتّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ. وَهَذَا كَمَا أَنّهُ ثَابِتٌ فِي الدّنْيَا فَهُوَ كَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَالَ تَعَالَى: {احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصّافّاتِ 22]. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَبَعْدَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّهُ أَزْوَاجُهُمْ أَشْبَاهُهُمْ وَنُظَرَاؤُهُم وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ} [التّكْوِيرِ 7] أَيْ قَرَنَ كُلّ صَاحِبِ عَمَلٍ بِشَكْلِهِ وَنَظِيرِهِ فَقَرَنَ بَيْنَ الْمُتَحَابّيْنِ فِي اللّهِ فِي الْجَنّةِ وَقَرَنَ بَيْنَ الْمُتَحَابّيْنِ فِي طَاعَةِ الشّيْطَانِ فِي الْجَحِيمِ فَالْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبّ شَاءَ أَوْ أَبَى وَفِي مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُحِبّ الْمَرْءُ قَوْمًا إلّا حُشِرَ مَعَهُمْ.

.أَنْوَاعُ الْمَحَبّةِ:

وَالْمَحَبّةُ أَنْوَاعٌ مُتَعَدّدَةٌ فَأَفْضَلُهَا وَأَجَلّهَا: الْمَحَبّةُ فِي اللّهِ وَلِلّهِ وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ مَحَبّةَ مَا أَحَبّ اللّهُ وَتَسْتَلْزِمُ مَحَبّةَ اللّهِ وَرَسُولِهِ. وَمِنْهَا مَحَبّةُ الِاتّفَاقِ فِي طَرِيقَةٍ أَوْ دِينٍ أَوْ مَذْهَبٍ أَوْ نِحْلَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ أَوْ مُرَادٍ مَا. وَمِنْهَا: مَحَبّةٌ لِنَيْلِ غَرَضٍ مِنْ الْمَحْبُوبِ إمّا مِنْ جَاهِهِ أَوْ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ تَعْلِيمِهِ وَإِرْشَادِهِ أَوْ قَضَاءِ وَطَرٍ مِنْهُ وَهَذِهِ هِيَ الْمَحَبّةُ الْعَرَضِيّةُ الّتِي تَزُولُ بِزَوَالِ مُوجِبِهَا فَإِنّ مَنْ وَدّك لِأَمْرٍ وَلّى عَنْك عِنْدَ انْقِضَائِهِ. وَأَمّا مَحَبّةُ الْمُشَاكَلَةِ وَالْمُنَاسَبَةِ الّتِي بَيْنَ الْمُحِبّ وَالْمَحْبُوبِ فَمَحَبّةٌ لَازِمَةٌ لَا تَزُولُ إلّا لِعَارِضٍ يُزِيلُهَا وَمَحَبّةُ الْعِشْقِ مِنْ هَذَا النّوْعِ فَإِنّهَا اسْتِحْسَانٌ رُوحَانِيّ وَامْتِزَاجٌ نَفْسَانِيّ وَلَا يَعْرِضُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَحَبّةِ مِنْ الْوَسْوَاسِ وَالنّحُولِ وَشَغْلِ الْبَالِ وَالتّلَفِ مَا يَعْرِضُ مِنْ الْعِشْقِ.

.سَبَبُ كَوْنِ الْعِشْقِ أَحْيَانًا مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ:

فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا كَانَ سَبَبُ الْعِشْقِ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الِاتّصَالِ وَالتّنَاسُبِ الرّوحَانِيّ فَمَا بَالُهُ لَا يَكُونُ دَائِمًا مِنْ الطّرَفَيْنِ بَلْ تَجِدُهُ كَثِيرًا مِنْ طَرَفِ الْعَاشِقِ وَحْدَهُ فَلَوْ كَانَ سَبَبُهُ الِاتّصَالَ النّفْسِيّ وَالِامْتِزَاجَ الرّوحَانِيّ لَكَانَتْ الْمَحَبّةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا. فَالْجَوَابُ أَنّ السّبَبَ قَدْ يَتَخَلّفُ عَنْهُ مُسَبّبِهِ لِفَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ لِوُجُودِ مَانِعٍ وَتَخَلّفُ الْمَحَبّةِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ لَابُدّ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ الْأَوّلُ عِلّةٌ فِي الْمَحَبّةِ وَأَنّهَا مَحَبّةٌ عَرَضِيّةٌ لَا ذَاتِيّةٌ وَلَا يَجِبُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمَحَبّةِ الْعَرَضِيّةِ بَلْ قَدْ يَلْزَمُهَا نُفْرَةٌ مِنْ الْمَحْبُوبِ.
الثّانِي: مَانِعٌ يَقُومُ بِالْمُحِبّ يَمْنَعُ مَحَبّةَ مَحْبُوبِهِ لَهُ إمّا فِي خُلُقِهِ أَوْ فِي خَلْقِهِ أَوْ هَدْيِهِ أَوْ فِعْلِهِ أَوْ هَيْئَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
الثّالِثُ مَانِعٌ يَقُومُ بِالْمَحْبُوبِ يَمْنَعُ مُشَارَكَتَهُ لِلْمُحِبّ فِي مَحَبّتِهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ الْمَانِعِ لَقَامَ بِهِ مِنْ الْمَحَبّةِ لِمُحِبّهِ مِثْلُ مَا قَامَ بِالْآخَرِ فَإِذَا انْتَفَتْ هَذِهِ الْمَوَانِعُ وَكَانَتْ الْمَحَبّةُ ذَاتِيّةً فَلَا يَكُونُ قَطّ إلّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَوْلَا مَانِعُ الْكِبْرِ وَالْحَسَدِ وَالرّيَاسَةِ وَالْمُعَادَاةِ فِي الْكُفّارِ لَكَانَتْ الرّسُلُ أَحَبّ إلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَلَمّا زَالَ هَذَا الْمَانِعُ مِنْ قُلُوبِ أَتْبَاعِهِمْ كَانَتْ مَحَبّتُهُمْ لَهُمْ فَوْقَ مَحَبّةِ الْأَنْفُسِ وَالْأَهْلِ وَالْمَالِ.

.فصل عِلَاجُ الْعِشْقِ بِالزّوَاجِ بِالْمَعْشُوقِ:

وَالْمَقْصُودُ أَنّ الْعِشْقَ لَمّا كَانَ مَرَضًا مِنْ الْأَمْرَاضِ كَانَ قَابِلًا لِلْعِلَاجِ وَلَهُ أَنْوَاعٌ مِنْ الْعِلَاجِ فَإِنْ كَانَ مِمّا لِلْعَاشِقِ سَبِيلٌ إلَى وَصْلِ مَحْبُوبِهِ شَرْعًا وَقَدْرًا فَهُوَ عِلَاجُهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصّحِيحَيْنِ. مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «يَا مَعْشَرَ الشّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصّوْمِ فَإِنّهُ لَهُ وِجَاءٌ» فَدَلّ الْمُحِبّ عَلَى عِلَاجَيْنِ أَصْلِيّ وَبَدَلِيّ. وَأَمَرَهُ بِالْأَصْلِيّ وَهُوَ الْعِلَاجُ الّذِي وُضِعَ لِهَذَا الدّاءِ فَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ مَا وَجَدَ إلَيْهِ سَبِيلًا. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابّيْنِ مِثْلَ النّكَاحِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الّذِي أَشَارَ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ عَقِيبَ إحْلَالِ النّسَاءِ حَرَائِرِهِنّ وَإِمَائِهِنّ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِقَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُخَفّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النّسَاءِ 28]. فَذِكْرُ تَخْفِيفِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِخْبَارِهِ عَنْ ضَعْفِ الْإِنْسَانِ يَدُلّ عَلَى ضَعْفِهِ عَنْ احْتِمَالِ هَذِهِ الشّهْوَةِ وَأَنّهُ- سُبْحَانَهُ- خَفّفَ عَنْهُ أَمْرَهَا بِمَا أَبَاحَهُ لَهُ مِنْ أَطَايِبِ النّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ وَأَبَاحَ لَهُ مَا شَاءَ مِمّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ ثُمّ أَبَاحَ لَهُ أَنْ يَتَزَوّجَ بِالْإِمَاءِ إنْ احْتَاجَ.

.فصل وَمِنْ عِلَاجِ العشقِ إشْعَارُ النّفْسِ الْيَأْسَ مِنْهُ إنْ كَانَ الْوِصَالُ مُتَعَذّرًا قَدْرًا وَشَرْعًا:

وَإِنْ كَانَ لَا سَبِيلَ لِلْعَاشِقِ إلَى وِصَالِ مَعْشُوقِهِ قَدْرًا أَوْ شَرْعًا أَوْ هُوَ مُمْتَنِعٌ عَلْيِهِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ وَهُوَ الدّاءُ الْعُضَالُ فَمِنْ عِلَاجِهِ إشْعَارُ نَفْسِهِ الْيَأْسَ مِنْهُ فَإِنّ النّفْسَ مَتَى يَئِسَتْ مِنْ الشّيْءِ اسْتَرَاحَتْ مِنْهُ وَلَمْ تَلْتَفِتْ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَزَلْ مَرَضُ الْعِشْقِ مَعَ الْيَأْسِ فَقَدْ انْحَرَفَ الطّبْعُ انْحِرَافًا شَدِيدًا فَيَنْتَقِلُ إلَى عِلَاجٍ آخَرَ وَهُوَ عِلَاجُ عَقْلِهِ بِأَنْ يُعْلَمَ بِأَنّ تَعَلّقَ الْقَلْبِ بِمَا لَا مَطْمَعَ فِي حُصُولِهِ نَوْعٌ مِنْ الْجُنُونِ وَصَاحِبُهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَعْشَقُ الشّمْسَ وَرُوحُهُ مُتَعَلّقَةٌ بِالصّعُودِ إلَيْهَا وَالدّوَرَانِ مَعَهَا فِي فَلَكِهَا وَهَذَا مَعْدُودٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ فِي زُمْرَةِ الْمَجَانِينِ.

.إنْ كَانَ الْوِصَالُ مُتَعَذّرًا شَرْعًا فَعِلَاجُهُ إنْزَالُهُ مَنْزِلَةَ الْمُتَعَذّرِ قَدْرًا وَذِكْرُ عِلَاجَاتٍ أُخْرَى:

وَإِنْ كَانَ الْوِصَالُ مُتَعَذّرًا شَرْعًا لَا قَدْرًا فَعِلَاجُهُ بِأَنْ يُنْزِلَهُ مَنْزِلَةَ الْمُتَعَذّرِ قَدْرًا إذْ مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ اللّهُ فَعِلَاجُ الْعَبْدِ وَنَجَاتُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى اجْتِنَابِهِ فَلْيُشْعِرْ نَفْسَهُ أَنّهُ مَعْدُومٌ مُمْتَنِعٌ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ وَأَنّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْمُحَالَاتِ فَإِنْ لَمْ تُجِبْهُ النّفْسُ الْأَمّارَةُ فَلْيَتْرُكْهُ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمّا خَشْيَةٍ وَإِمّا فَوَاتِ مَحْبُوبٍ هُوَ أَحَبّ إلَيْهِ وَأَنْفَعُ لَهُ وَخَيْرٌ لَهُ مِنْهُ وَأَدْوَمُ لَذّةً وَسُرُورًا فَإِنّ الْعَاقِلَ مَتَى وَازَنَ بَيْنَ نَيْلِ مَحْبُوبٍ سَرِيعِ الزّوَالِ بِفَوَاتِ مَحْبُوبٍ أَعْظَمَ مِنْهُ وَأَدْوَمَ وَأَنْفَعَ وَأَلَذّ أَوْ بِالْعَكْسِ ظَهَرَ لَهُ التّفَاوُتُ فَلَا تَبِعْ لَذّةَ الْأَبَدِ الّتِي لَا خَطَرَ لَهَا بِلَذّةِ سَاعَةٍ تَنْقَلِبُ آلَامًا وَحَقِيقَتُهَا أَنّهَا أَحْلَامُ نَائِمٍ أَوْ خَيَالٌ لَا ثَبَاتَ لَهُ فَتَذْهَبُ اللّذّةُ وَتَبْقَى التّبِعَةُ وَتَزُولُ الشّهْوَةُ وَتَبْقَى الشّقْوَةُ.
الثّانِي: حُصُولُ مَكْرُوهٍ أَشَقّ عَلْيِهِ مِنْ فَوَاتِ هَذَا الْمَحْبُوبِ بَلْ يَجْتَمِعُ لَهُ الْأَمْرَانِ أَعْنِي: فَوَاتَ مَا هُوَ أَحَبّ إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْمَحْبُوبِ وَحُصُولَ مَا هُوَ أَكْرَهُ إلَيْهِ مِنْ فَوَاتِ هَذَا الْمَحْبُوبِ فَإِذَا تَيَقّنَ أَنّ فِي إعْطَاءِ النّفْسِ حَظّهَا مِنْ هَذَا الْمَحْبُوبِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ هَانَ عَلَيْهِ تَرْكُهُ وَرَأَى أَنّ صَبْرَهُ عَلَى قُوّتِهِ أَسْهَلُ مِنْ صَبْرِهِ عَلَيْهِمَا بِكَثِيرٍ فَعَقْلُهُ وَدِينُهُ وَمُرُوءَتُهُ وَإِنْسَانِيّتُهُ تَأْمُرُهُ بِاحْتِمَالِ الضّرَرِ وَهَوَاهُ وَظُلْمُهُ وَطَيْشُهُ وَخِفّتُهُ يَأْمُرُهُ بِإِيثَارِ هَذَا الْمَحْبُوبِ الْعَاجِلِ بِمَا فِيهِ جَالِبًا عَلَيْهِ مَا جَلَبَ وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللّهُ. فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ نَفْسُهُ هَذَا الدّوَاءَ وَلَمْ تُطَاوِعْهُ لِهَذِهِ الْمُعَالَجَةِ فَلْيَنْظُرْ مَا تَجْلِبُ عَلَيْهِ هَذِهِ الشّهْوَةُ مِنْ مَفَاسِدِ عَاجِلَتِهِ وَمَا تَمْنَعُهُ مِنْ مَصَالِحِهَا فَإِنّهَا أَجْلَبُ شَيْءٍ لِمَفَاسِدِ الدّنْيَا وَأَعْظَمُ شَيْءٍ تَعْطِيلًا لِمَصَالِحِهَا فَإِنّهَا تَحُولُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رُشْدِهِ الّذِي هُوَ مِلَاكُ أَمْرِهِ وَقِوَامُ مَصَالِحِهِ. فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ نَفْسُهُ هَذَا الدّوَاءَ فَلْيَتَذَكّرْ قَبَائِحَ الْمَحْبُوبِ وَمَا يَدْعُوهُ إلَى النّفْرَةِ عَنْهُ فَإِنّهُ إنْ طَلَبَهَا وَتَأَمّلَهَا وَجَدَهَا أَضْعَافَ مَحَاسِنِهِ الّتِي تَدْعُو إلَى حُبّهِ وَلْيَسْأَلْ جِيرَانَهُ عَمّا خَفِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَإِنّهَا الْمَحَاسِنُ كَمَا هِيَ دَاعِيَةُ الْحُبّ وَالْإِرَادَةِ فَالْمَسَاوِئُ دَاعِيَةُ الْبُغْضِ وَالنّفْرَةِ فَلْيُوَازِنْ بَيْنَ الدّاعِيَيْنِ وَلْيُحِبّ أَسْبَقَهُمَا وَأَقْرَبَهُمَا مِنْهَا بَابًا وَلَا يَكُنْ مِمّنْ غَرّهُ لَوْنُ جَمَالٍ عَلَى جِسْمٍ أَبْرَصَ مَجْذُومٍ وَلْيُجَاوِزْ بَصَرُهُ حُسْنَ الصّورَةِ إلَى قُبْحِ الْفِعْلِ وَلْيَعْبُرْ مِنْ حُسْنِ الْمَنْظَرِ وَالْجِسْمِ إلَى قُبْحِ الْمَخْبَرِ وَالْقَلْبِ. فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْهُ هَذِهِ الْأَدْوِيَةُ كُلّهَا لَمْ يَبْقَ لَهُ إلّا صِدْقُ اللّجَأِ إلَى مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرّ إذَا دَعَاهُ وَلْيَطْرَحْ نَفْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى بَابِهِ مُسْتَغِيثًا بِهِ مُتَضَرّعًا مُتَذَلّلًا مُسْتَكِينًا فَمَتَى وُفّقَ لِذَلِكَ فَقَدْ قَرَعَ بَابَ التّوْفِيقِ فَلِيَعِفّ وَلْيَكْتُمْ وَلَا يُشَبّبْ بِذِكْرِ الْمَحْبُوبِ وَلَا يَفْضَحْهُ بَيْنَ النّاسِ وَيُعَرّضْهُ لِلْأَذَى فَإِنّهُ يَكُونُ ظَالِمًا مُعْتَدِيًا.

.بُطْلَانُ حَدِيثِ «مَنْ عَشِقَ فَعَفّ...»:

وَلَا يَغْتَرّ بِالْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَوَاهُ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَلِيّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتّاتِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ أَيْضًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَوَاهُ الزّبَيْرُ بْنُ بَكّارٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ مَنْ عَشِقَ فَعَفّ فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيد وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ عَشِقَ وَكَتَمَ وَعَفّ وَصَبَرَ غَفَرَ اللّهُ لَهُ وَأَدْخَلَهُ الْجَنّةَ فَإِنّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَصِحّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِهِ فَإِنّ الشّهَادَةَ دَرَجَةٌ عَالِيَةٌ عِنْدَ اللّهِ مَقْرُونَةٌ بِدَرَجَةِ الصّدّيقِيّةِ وَلَهَا أَعْمَالٌ وَأَحْوَالٌ هِيَ شَرْطٌ فِي حُصُولِهَا وَهِيَ نَوْعَانِ عَامّةٌ وَخَاصّةٌ فَالْخَاصّةُ الشّهَادَةُ فِي سَبِيلِ اللّهِ. وَالْعَامّةُ خَمْسٌ مَذْكُورَةٌ فِي الصّحِيحِ لَيْسَ الْعِشْقُ وَاحِدًا مِنْهَا. وَكَيْفَ يَكُونُ الْعِشْقُ الّذِي هُوَ شِرْكٌ فِي الْمَحَبّةِ وَفَرَاغُ الْقَلْبِ عَنْ اللّهِ وَتَمْلِيكُ الْقَلْبِ وَالرّوحِ وَالْحُبّ لِغَيْرِهِ تُنَالُ بِهِ دَرَجَةُ الشّهَادَةِ هَذَا مِنْ الْمُحَالِ فَإِنّ إفْسَادَ عِشْقِ الصّوَرِ لِلْقَلْبِ فَوْقَ كُلّ إفْسَادٍ بَلْ هُوَ خَمْرُ الرّوحِ الّذِي يُسْكِرُهَا وَيَصُدّهَا عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَحُبّهِ وَالتّلَذّذِ بِمُنَاجَاتِهِ وَالْأُنْسِ بِهِ وَيُوجِبُ عُبُودِيّةَ الْقَلْبِ لِغَيْرِهِ فَإِنّ قَلْبَ الْعَاشِقِ مُتَعَبّدٌ لِمَعْشُوقِهِ بَلْ الْعِشْقُ لُبّ الْعُبُودِيّةِ فَإِنّهَا كَمَالُ الذّلّ وَالْحُبّ وَالْخُضُوعِ وَالتّعْظِيمِ فَكَيْفَ يَكُونُ تَعَبّدُ الْقَلْبِ لِغَيْرِ اللّهِ مِمّا تُنَالُ بِهِ دَرَجَةُ أَفَاضِلِ الْمُوَحّدِينَ وَسَادَاتِهِمْ وَخَوَاصّ الْأَوْلِيَاءِ فَلَوْ كَانَ إسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ كَالشّمْسِ كَانَ غَلَطًا وَوَهْمًا وَلَا يُحْفَظُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَفْظُ الْعِشْقِ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ أَلْبَتّةَ. ثُمّ إنّ الْعِشْقَ مِنْهُ حَلَالٌ وَمِنْهُ حَرَامٌ فَكَيْفَ يُظَنّ بِالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ يَحْكُمُ عَلَى كُلّ عَاشِقٍ يَكْتُمُ وَيَعِفّ بِأَنّهُ شَهِيدٌ فَتَرَى مَنْ يَعْشَقُ امْرَأَةَ غَيْرِهِ أَوْ يَعْشَقُ الْمُرْدَانَ وَالْبَغَايَا يَنَالُ بِعِشْقِهِ دَرَجَةَ الشّهَدَاءِ وَهَلْ هَذَا إلّا خِلَافُ الْمَعْلُومِ مِنْ دِينِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالضّرُورَةِ؟ كَيْفَ وَالْعِشْقُ مَرَضٌ مِنْ الْأَمْرَاضِ الّتِي جَعَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ لَهَا الْأَدْوِيَةَ شَرْعًا وَقَدْرًا وَالتّدَاوِي مِنْهُ إمّا وَاجِبٌ إنْ كَانَ عِشْقًا حَرَامًا وَإِمّا مُسْتَحَبّ. وَأَنْتَ إذَا تَأَمّلْت الْأَمْرَاضَ وَالْآفَاتِ الّتِي حَكَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَصْحَابِهَا بِالشّهَادَةِ وَجَدْتهَا مِنْ الْأَمْرَاضِ الّتِي لَا عِلَاجَ لَهَا كَالْمَطْعُونِ وَالْمَبْطُونِ وَالْمَجْنُوبِ وَالْغَرِيقِ وَمَوْتِ الْمَرْأَةِ يَقْتُلُهَا وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا فَإِنّ هَذِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَلّدْ أَئِمّةَ الْحَدِيثِ الْعَالِمِينَ بِهِ وَبِعِلَلِهِ فَإِنّهُ لَا يُحْفَظُ عَنْ إمَامٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَطّ أَنّهُ شَهِدَ لَهُ بِصِحّةٍ بَلْ وَلَا بِحُسْنٍ كَيْفَ وَقَدْ أَنْكَرُوا عَلَى سُوَيْدٍ هَذَا الْحَدِيثَ وَرَمَوْهُ لِأَجْلِهِ بِالْعَظَائِمِ وَاسْتَحَلّ بَعْضُهُمْ غَزْوَهُ لِأَجْلِهِ. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيّ فِي كَامِلِهِ: هَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ مَا أُنْكِرَ عَلَى سُوَيْدٍ وَكَذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إنّهُ مِمّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ فِي الذّخِيرَةِ وَذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِ نَيْسَابُورَ وَقَالَ أَنَا أَتَعَجّبُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنّهُ لَمْ يُحَدّثْ بِهِ عَنْ غَيْرِ سُوَيْدٍ وَهُوَ ثِقَةٌ وَذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيّ فِي كِتَابِ الْمَوْضُوعَاتِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْأَزْرَقُ يَرْفَعُهُ أَوّلًا عَنْ سُوَيْدٍ فَعُوتِبَ فِيهِ فَأَسْقَطَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ لَا يُجَاوِزُ بِهِ ابْنَ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا. وَمِنْ الْمَصَائِبِ الّتِي لَا تُحْتَمَلُ جَعْلُ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَمَنْ لَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ بِالْحَدِيثِ وَعِلَلِهِ لَا يَحْتَمِلُ هَذَا أَلْبَتّةَ وَلَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَدِيثِ الْمَاجِشُونِ عَنْ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا مَرْفُوعًا وَفِي صِحّتِهِ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبّاسٍ نَظَرٌ وَقَدْ رَمَى النّاسُ سُوَيْدَ بْنَ سَعِيدٍ رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ بِالْعَظَائِمِ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَقَالَ هُوَ سَاقِطٌ كَذّابٌ لَوْ كَانَ لِي فَرَسٌ وَرُمْحٌ كُنْت أَغْزُوهُ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ وَقَالَ الْبُخَارِيّ: كَانَ قَدْ عَمِيَ فَيُلَقّنُ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ وَقَالَ ابْنُ حِبّانَ: يَأْتِي بِالْمُعْضِلَاتِ عَنْ الثّقَاتِ يَجِبُ مُجَانَبَةُ مَا رَوَى. انْتَهَى. وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ قَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ الرّازِيّ: إنّهُ صَدُوقٌ كَثِيرُ التّدْلِيسِ ثُمّ قَوْلُ الدّارَقُطْنِيّ: هُوَ ثِقَةٌ غَيْرَ أَنّهُ لَمّا كَبِرَ كَانَ رُبّمَا قُرِئَ عَلَيْهِ حَدِيثٌ فِيهِ بَعْضُ النّكَارَةِ فَيُجِيزُهُ انْتَهَى. وَعِيبَ عَلَى مُسْلِمٍ أَعْلَمُ.